الاثنين، 21 مارس 2011

عزيزة هانم حسين.. وماري هانم أسعد

بقلم: نبيل عبد الفتاح

كليهما سيدتان جميلتان، ومصريتي الملامح والقسمات والروح العذبة، والطيبة التي تنم عن قوة الشخصية والقدرة علي توجيه الآخرين، وإدارة فرق العمل، بل وإدارة بلاد بأكملها. في الحياة هناك شخصيات لها ظل وافر يمتد حولها ويؤثر علي الآخرين في مشاعرهم وأفكارهم وأعمالهم، والأهم أنهم يقدمون عطاءهم السخي من أجل الآخرين دون منّ أو أثرة أو استعلاء. يمتلكون من التواضع، وهم وهن من ذوي وذوات المكانة الطبقية والثقافية، ما يجعلهم يشعرون بالتميز عن الآخرين والآخريات، ولاسيما في بلاد لا تزال تفترسها أمراض الفقر والجهل وذلك بمختلف أنماطه من أمية القراءة والكتابة إلي الأمية التعليمية إلي الأمية الثقافية، وأمية التخصص ولاسيما من هؤلاء الذين نراهم مزهوّين بشهاداتهم العليا، وما بعدها، ويكشف خطابهم الفقير والشقي عن تهافت وفي أحيان عن جهالة تجعلك ترثي لهم، وتبدو وكأنك تشعر بالخجل مما يقولونه!

أقول ذلك، لأن بلادنا لا تزال بها نماذج إنسانية فذة تعيش بيننا، وأعطت، ولا تزال بلا حدود من جهدها وأفكارها وعملها من أجل تطوير الحياة في بلادنا، ومحاولة تبديد القتامة عن وجوه المصريين، وإطلالة الوطن وهو يواجه الحياة كل صباح. تزداد أهمية بعض النماذج الإنسانية الاستثنائية في وسط المصريات اللائي كسرن حاجز الوحدة والعزلة في أطر الحياة المرفهة بالثراء، ودوائرها المخملية في مصر، وفي الغرب والعالم.


نعم بعض المصريات استطعن بذكائهن وقدراتهن الخاصة أن يحطمن أسوار المعتقلات الذكورية وذهنية ديكتاتورية الفحولة السياسية والاجتماعية والدينية التي تحاول تقزيم مكانة ودور المرأة في حياة مغلقة تحت دعاوي تكريمها وحمايتها من عالم من المردة والغيلان، وطبعاً عالم من الذكور الآخرين علي مثالهم، وذلك حماية لهن من الوهم، كي لا تشارك كطرف فاعل ومشارك ومساوٍ للرجل في زراعة المستقبل لأطفالهن ورجالهن ووطنهن العزيز الغالي مصر.
 

عزيزة حسين، وماري أسعد مثالان علي سيدتين استثنائيتين في حياة المرأة المصرية وكفاحها كل بطريقتها لتطوير وضع المرأة والفتيات في واقع متحيز للرجال، ويحاول تعطيل آية محاولة لتطوير ودفع حركة النساء المصريات إلي الأمام.
عزيزة حسين، وماري أسعد كلتاهما من أبناء البورجوازية المصرية العليا بالميلاد والحياة والتعليم والمعرفة والثراء، ولكن المكانة الطبقية لم تحل دون عطائهما الاجتماعي للمستضعفات، وذلك رغماً عما كفلته طبقتهما من تكوين رفيع وحياة مترفة ونمط مخملي السياقات والأجواء واللغة البورجوازية الخاصة التي تضع المسافات والحدود والرموز. كان يمكن لكلتيهما أن تعيش حياة خاصة عند قمة الهرم الاجتماعي قبل ثورة يوليو وبعدها دونما تنازلات كبيرة تذكر. كليهما "هانم" وتنتميان إلي أسر وعائلات عريقة، وفق مصطلحات الماضي شبه الليبرالي، والذي كنا جزءاً من التمرد عليه لغة ومفاهيم وعوالم، ولا نزال.


كلتاهما عزيزة هانم حسين، وماري هانم أسعد دفعهما الواقع الاجتماعي ـ السياسي لتحويل التميز الطبقي إلي قاعدة للانطلاق لمعرفة واقع المرأة البائس في الطبقات الأكثر فقراً، وإلي التحرر من قيود عالم السياسة والبيروقراطية والتحرك وسط الناس، ولاسيما في ظل الأوساط الأكثر عوزاً واحتياجاً من خلال المنظمات الطوعية والرعائية والدفاعية في مجال الدفاع عن حرمة الجسد الأنثوي ضد المساس به وبتكامله من خلال موضوع ختان الإناث، وحقوق المرأة وضرورة رفع كافة أشكال التمييز والتحيز ضدها قبل الاتفاقية الدولية التي تمت في هذا الصدد.
 

عزيزة هانم حسين شاركت بطول الدنيا وعرضها وفي مؤتمراتها الدولية كانت صوتا جهيرا للمرأة المصرية ودفاعاً عن الوجه الوضيء لها ولجهودها وكفاحها من أجل التحرر والتقدم، وحتي هذه اللحظة مازال جهدها وفيراً ومثمراً.
ماري هانم أسعد كانت من أوائل من عملوا ضد الختان الفرعوني والأفريقي الوبيل لبناتنا، وساهمت بجهودها الطوعية الرائدة في العمل التطوعي داخل أطر المجتمع المصري الكبير، وفي وسط الكنيسة الوطنية القبطية الأرثوذكسية المصرية، ولم يقتصر دور ماري هانم علي ذلك، وإنما امتد دورها الدولي كسكرتير عام بالنيابة لمجلس الكنائس العالمي، واستطاعت التأثير علي سياساته وتوجهاته لصالح قضايا المرأة والتنمية والمستضعفين في الجنوب أو العالم الثالث كما كان يطلق عليه آنذاك.
كلتيهما من خريجي الجامعة الأمريكية، وكان عطاؤهما الوافر والوطني والإنساني لصالح المرأة المصرية، موضوعاً لرسائل علمية نشرت باللغة الإنجليزية.


كليهما سيدتان جميلتان، ومصريتي الملامح والقسمات والروح العذبة، والطيبة التي تنم عن قوة الشخصية والقدرة علي توجيه الآخرين، وإدارة فرق العمل، بل وإدارة بلاد بأكملها.
كليهما رفض سجن البيروقراطية الشقي وقيوده، وانطلاقاً من فضاء الحرية في الفكر والمبادرة والعمل في إطار العمل التطوعي ومبادراته الطليقة إلا من النزاهة واستهداف الخير العام، والصالح العام هل يتذكر البعض منا هذين التعبيرين اللذين ضاعا أو تبددا في ظل هيمنة الأهواء والمصالح الخاصة.
 

كلتا السيدتين لا تزالان ممتلئتين بالحرية والعافية والقوة والجمال والمحبة الغامرة للآخرين. هما تعبيران فذان عن وحدة مصر، الأمة والتاريخ والشعب والأخوة لأن ماري هانم أسعد، وعزيزة هانم حسين شقيقتان في المشاعر والحب والصداقة والأخوة ورأسمال الصداقة الممتدة من أيام الدراسة في الجامعة الأمريكية، عندما آراهما أشعر بالاعتزاز والفخر وأن مستقبلنا المصري سيكون بإذنه تعالي أكثر ازدهاراً رغم كل ما نراه، ونواجهه من مصاعب وغباوات وجهالات وانحطاط.
تاريخ أسري وذكريات ومستقبل مشترك بين عزيزة هانم حسين، وماري هانم أسعد، وعائلتيهما، وهما تعتبران نسيجا وحدهما ينم عن مواهب المرأة المصرية ـ المسلمة والمسيحية ـ الاستثنائية، وعطاؤها الوافر مصرياً ودولياً.
في عيد ميلاد عزيزة هانم حسين أقول لها كل سنة وأنت جميلة وشابة وعفية، نسيت أن أقول أن عزيزة هانم حسين اعتذرت عن أن تكون وزيرة أيام الرئيس السادات، وفضلت أن يكون عطاؤها الوطني حراً ووافراً خارج المناصب وقيود البيروقراطية وأوهامها وهيلمانها في بلد أدمنت الوقوع في الهوي البيروقراطي الكاذب.
كل سنة وأنت طيبة، ومصر أيضاً وأيضاً كل سنة وأنت أكثر شفافية ومحبة للناس.
كل سنة وأنت وماري هانم أسعد صديقتان عزيزتان ولا يزال عطاؤكما وظلاله تملأ حياة مصر بالمحبة وزراعة الأمل ووحدة الأمة.
كل سنة وأنت طيبة وعزيزة يا عزيزة هانم حسين.

  
الأهرام المسائي- نبيل عبد الفتاح-يونية 2010
http://196.219.20.131/articles.aspx?Serial=156916&eid=824
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق